Minggu, 27 Juni 2010

البرامج الإذاعية والتلفزيونية والمسألة اللغوية" المصدر: مجلة الإذاعات العربية (مجلة يصدرها اتحاد الدول العربية)، العدد 2 العام 2002

ملف: "البرامج الإذاعية والتلفزيونية والمسألة اللغوية"
المصدر: مجلة الإذاعات العربية (مجلة يصدرها اتحاد الدول العربية)، العدد 2 العام 2002.

اللهجات العامية
في وسائل
الإعلام الإلكترونية

الدكتور عصام سليمان الموسى
جامعة اليرموك ـ قسم الصحافة
اربد ـ الأردن.

يعتبر البعض أن استخدام اللهجات العامية في وسائل الاتصال الإلكتروني ـ كالفضائيات ـ بمثابة "ثورة" بينما يرى فيها البعض الآخر "تهجينا" و" إفساداً" للغة والثقافة. لهذا سنسعى في الصفحات القادمة لإلقاء الضوء على المشكلة في محاولة للتعرف على أبعادها وأخطارها.
الاتصال واللغة :
يعرِّف الاتصال بأنه عملية نفسية اجتماعية قائمة على تبادل الرموز بين طرفين بهدف تحقيق آثار محددة (الموسى: المدخل في الاتصال الجماهيري 1998، ص ص 13ـ22).
والرموز من نوعين : لفظية وغير لفظية، وتتألف اللغة من رموز لفظية فقط: فمثلا، إن كلمة (مجلة) التي تتألف من الألفاظ الصوتية، ترمز إلى شيء معروف متفق عليه دلاليا في المجتمع العربي.
أما الرموز غير اللفظية، فهي الإشارات وحركات الجسد ورنة الصوت. ويرى البعض أن الرموز غير اللفظية تحمل 80% من المعنى في أي فعل اتصالي(Hall the power of Hidden Diffences,p.58). ويتنوع توظيف هذه الرموز في الاتصال الجماهيري ـ المتعارف عليه باسم الإعلام في الوطن العربي ـ بتنوع الوسيلة المستخدمة.
1 ـ في الصحافة والمواد المطبوعة، تستخدم الرموز اللفظية ـ كالأبجدية تحديدا ـ مدونة للتعبير عن الأفكار والآراء ومقاصد المرسل.
2 ـ وفي الإذاعة المسموعة، تستخدم الرموز اللفظية(الأبجدية) مقروءة، بما يصاحبها من نبرة أو حدة، أو رفع الصوت أو خفضه. وهذا يعني أن المستمع (المتلقي للرسالة الإعلامية) يستقبل نوعين من الرموز : اللفظية وغير اللفظية، ويعمل عقله في تحليلها، مثل ذلك ك أن نبرة قراءة نشرة الأخبار وإيقاعها وطريقة إلقائها تختلف عن نغمة وإيقاع مسرحية إذاعية تراجيدية أو كوميدية.
3 ـ أما في الإذاعة المرئية ـ التلفاز ـ فتُستخدم الرموز كما في الإذاعة ، لكن بإضافة مستوى ثالث، وهو مستوى (لغة الجسد) والذي نعني به الإشارات والإيماءات الني تصدر عن المرسل، أو مقدم البرامج أو مقدمته. ونحن ، حين نشاهد تصريحا سياسيا عبر شاشة التلفاز، فإننا نستمع إلى تعابير أبجدية تحمل نبرات، ونشاهد بالعين الحركات والإيماءات التي تصاحب تلك التعابير، سواء صدرت على الوجه أو اليد أو الجسد. ويعمل عقل المتلقي على استقبال هذه الرموز وتحليلها وفهمها بل يشكل في محصلته مجمل رسالة المتلقي ومقاصده.

الفصيحة والعامية :
ويواجه المتلقي العربي لرسائل الإعلام الصحفية والإذاعية والتلفازية، تحديا آخر في مجال تحليل الرموز، يتمثل باستقبال رموز لفظية بالفصيحة أحيانا وبالعامية أحيانا أخرى. وعن أية عامية نتحدث؟ عن العامية المصرية أم السورية أم الأردنية أو التونسية أن السودانية؟ ويزيد عدد اللهجات العامية العربية في مجموعها على عدد الدول العربية أضعافا. ذلك أن في كل بلد عربي العديد من اللهجات التي تنسب أحيانا إلى المدن، أو المقاطعات، متوزعة بين بادية وحضر وريف في كل دولة عربية.
ويصعب على الإنسان العربي في أحايين كثيرة فهم العامية الدارجة كما يتحدثها أهلها في بلد آخر، فيلجأ إلى الفصيحة لمواجهة الموقف، ويكرر الجملة أو السؤال مرات عديدة كأنما يترجمه،وفي هذا إضاعة للجهد وهدر للوقت، إضافة إلى ما يصاحب ذلك من مشاعر الإحباط القومي.
لكن لا بد من أن نتعرف أن بعض اللهجات العامية ـ كالمصرية ـ نجحت بفضل التلفاز والمسلسلات والسينما في أن تصبح لهجة مفهومة عند نسبة كبيرة من العرب. وفي مصر يفرقون بين لهجة قاهرية، وأخرى صعيدية، وربما قبلية وبحرية. وإذا ما كانت مشاهدة مسلسل مصري وتتبع حديثه تصبح عملية مفهومة ومقبولة للمواطن العربي في كل مكان من وكنه، فإن تتبع مسلسل تونسي أو كويتي قد لا يحظى بذلك القبول بعد.

اللغة … والجهد :
إن تعلم اللغة الثانية يستدعي جهدا عقليا كبيرا يبذله الإنسان المتعلم، ويتطلب منه قضاء وقت كبير لإتقان تلك اللغة. ومن المؤكد أن تعلم لغة ثانية يفتح ثقافة أخرى أمام ذلك الإنسان، فيتواصل معها، ويلجها ولوج الواثق فيها كما يتأثر بها غير أننا لا نستطيع أن نعتبر اللهجات العامية لغات ثانية بالمعنى الحرفي. ذلك أن لكل لغة نظامها الخاص بها من قواعد النحو والصرف واللفظ، "أما اللهجة فإنها توجد ضمن حدود لغة ما ولكنها غير مقننة" (سيجوان ومكاي، ص 6). لكن الإشكالية الحقيقية في اللهجات العربية تظهر نتيجة تباين اللهجات الحاد : مثلا، حين يتحدث عربي من المغرب بلهجته المحلية مع عربي من العراق بلهجته المحلية هو الآخر، تكون النتيجة أنهما لا يفهمان بعضهما البعض مطلقا. لقد أصبح الوضع الاتصالي هنا مغلقا على الفهم. و تحل إشكالية العراقي والمغربي إلا بلجوئهما للفصحى، وهي اللغة العربية الأم باعتبارها مصدرا لهذه اللهجات المتباينة.
والحقيقة التي لا مراء فيها أن الجهد الذي يبذله العربي في تعلم (اللغات) اللفظية العربية هو جهد مضاعف نحبط للعزيمة : فهو يتعلم في بداية حياته لهجة الأسرة ـ وهي اللهجة العامية السائدة في المنزل والمحيط والجوار. وحين يبلغ الطفل السادسة أو السابعة من العمر ـ وإذا كان ممن حالفهم الحظ الطيب ـ فإنه يبعث به إلى مدرسة في الجوار، فيبدأ تعلم اللغة الأم الفصيحة، حتى يكمل دراسته. ويتم ذلك بشكل مواز لتعلم لغة أجنبية (إنجليزية أو فرنسية)، قد يتعلمها في مرحلته المدرسية، وربما المحلية.
غير أن استعمال الفصحى سيقتصر فقط على حصة اللغة العربية فقط، فيكون رسوخها ضعيفا في النفس،وهكذا تصبح اللغة الفصيحة عند العربي لغة فنية ـ مثل الأجنبيةـ يستخدمها فقط لأغراض خاصة. وفي هذا إحباط قومي ما بعده إحباط.
ومع نمو الطفل العرب، وبدء تعرضه لوسائل الإعلام المرئية باعتبار أن التلفاز وسيلة تعنى بتنمية مشاهدة الطفل منذ بداية التكوين، فتقدم له برامج الكرتون (الصامت معظمها)، إضافة إلى برامج محلية تعد بإشراف سيدات يستخدمن في الأعم الأغلب اللهجة العامية، وفي أحست الأحوال يستخدمن لهجة سبه فصيحة، ومن هنا يبدأ رحلة الطفل مع تعلم اللهجة الثالثة، أو اللغة الثالثة كما يحلو للبعض تسميتها وتكون هذه بمستويات مختلفة، تعمل في الحقيقة على تعزيز انتماء الطفل المحلي إلى محليته.
ومع ازدياد التعرض للتلفاز وبرامجه ومسلسلاته ـ أو ما يسمى بثقافة الترفيه المتسعة يوما عن يوم ـ ينتهي الأمر بالمتلقي العربي إلى أن يتعلم فهم (حزمة) من اللهجات العربية، جلها مأخوذة عن العربية الفصيحة. وفي هذا إضاعة للوقت والجهد، ويبلغ طغيان العامية وقوتها وأثرها في النفس درجة تدفع بالإنسان لإيثارها على الفصيحة، حتى أنك تجد الطالب العربي الذي يتخرج من الجامعة، لا يتقن استعمال لغته الأم بحسب قواعدها الموضوعة وهذه إشكالية مزمنة ومؤرقة لا تتسع الدراسة الحالية لمناقشتها.

إشكالية للهجات العامية :
تطغى على برامج الإعلام الإلكتروني استعمال اللغة الدارجة (العامية) فيها، خاصة في البرامج الخفيفة، سواء كانت موجهة للسرة أو الطفل، أو الرياضي .. الخ، أما برامج الحوار الثقافي والإخباري فإنها تقدم بالفصيحة المبسطة، أو شبه الفصيحة.
ومع قدوم الفضائيات العربية ـ بواقع ثلاثين فضائية عربية تبث حوالي 8500 ساعة سنويا لا تنتج منها نفسها إلا حوالي 3500 ساعة بث (الرأي، 18/5/1999)ـ تتفاقم المشكلة.وتتمثل في محاولة هذه المحطات حشو ساعات بثها ببرامج الحكي(Talk Shows) بالعامية، تقدمها فتيات جذابات . يقول كاتب عمود يومي في الأردن، هو طارق مصاروة، إن هذه الفضائيات قد استثمرت "أجمل مساء العرب وأكثر مثقفيهم وهجا والتماعا" ويضيف أن هذه الفضائيات بارعة "بالإلهاء النفسي"(ص3)، وتمتلئ هذه البرامج بأغان بلغاتها يرددها الشبان الصغار بكثرة.
إن قدوم الفضائيات وتركيزها على العامية وقدرتها على جذب أعداد غفيرة من المتلقين، فجر مشكلة العامة مرة اخرى، بعد أن انطفأ وهج الدعوات لها، تلك التي ظهرت في النصف الأول من القرن العشرين في مصر ولبنان.

الصحافة واللغة :
يعترف الباحثون بفضل الصحافة العربية على تطوير اللغة العربية الحديثة،وفي هذا الصدد يقول أديب مروة إن صحافة القرن التاسع عشر ومطلع العشرين كانت صحافة ذات رسالة : كانت تحمل "سيفا لا قلما، وكانت في دور المجاهد لا في دور المنظم ولا في دور المصلح"، ويضيف مبينا : " لقد حاربت الصحافة العربية الجهل والفقر والحجاب، ثم ناضلت لتحرير الأم والأمة، وكافحت لإصلاح اللغة وقد أدركتها الركاكة"(الصحافة العربية: نشأتها وتطورها ص 143). وتاريخيا قام الرعيل الأول من رواد النهضة الصحفية بتعريب الألفاظ والمصطلحات وممارسة الاشتقاق والنحت، واستخدم السوابق اللغوية (Prefixes) مثل : لا شرعي، أو لا إنساني، والمركبات (مثل صواريخ جو ـ جو) "جواد عبد الساتر، اللغة الإعلامية، ص ص 18ـ21"، و "محمد سيد الإعلام واللغة ص 20" .

الإذاعة واللغة :
من ناحية أخرى فإن الوضع يختلف مع وسائل الإعلام الإلكترونية، ذلك أن الصحافة ي الأغلب الأعم تخاطب الصفوة المتعلمة، أما الإذاعة والتلفاز، وهي قنوات شعبية فإنها تخاطب إلى جانب الصفوة ـ الإنسان الأمي ـ الذي لا يقرأ ولا يكتب. وفي الوطن العربي تصل نسبة الأمية الإجمالية إلى حوالي 45% وهي أعلى من ذلك بين النساء، حاضنات الأجيال المستقبل، وتأسيسا على هذا فإن الإذاعة والتلفاز تحصل تلقائيا على شريحة واسعة من المشاهدين من فئة الذين لا يقرءون ولا يكتبون، يضاف إلى هذا ما تتصف به هذه الوسائل من قدرة على الجذب تؤهلها لامتلاك قطاع واسع من المتلقين وأسرهم بحبالها، ونتيجة حتمية لهذا الوضع فإن النقد لاستخدامات اللهجات العامية في هذا القطاع بين مؤيد، وغير مؤيد.

يطربون العامية!
يعترف بعض المتلقين العرب بأنهم يطربون للعامية، وفي هذا الصدد يقول كاتب أردني عن (ندوة الأبنودي) التي أذيعت عبر الفضائيات المصرية ما يلي : لقد سمعت ما سرني حقا وإنا مغرم بالشعر العامي والشعر البدوي النبطي، سمعت كلاما من القلب إلى القلب … ويقول الأبنودي للمذيعة ردا على سؤال : هؤلاء يكتبون من روحهم (ربما يعني شعراء العامية)، ويقول ايضا : " الكتابة بالعامية ثورة"( النابلسي، حسن سعود: الرأي ص 24).
آخرون يرون أن وسائل الإعلام الإلكترونية تُدخل إلى قاموس مفرداتنا تعابير جديدة بعضها أجنبي، وبعضها محلي، وأنها تقرب بين اللهجات العربية فتجعل من الممكن للإنسان التفاهم "مع أخيه العربي مهما نأت المسافات"(أبو إصبع اللواقط الفضائية وعدم أم وعيد).
مثل هذه الآراء لا يمكن تجاهلها لأنها تصدر عن فئة مثقفة ، تعكس واقعا لا يمكن نكرانه.
سلبيات العامية
بالمقابل يبرر بعض الدارسين الآخرين الجوانب السلبية لاستخدام العامية، وينبهون من مخاطرها ويذهب شلش إلى التحذير من أثر الإغراق باستعمال العامية إلى القول من أن وسائل الاتصال الجماهيري (كالراديو والتلفزيون والسينما) لها انعكاسات سلبية على اللغة لأنها تعمل على "تهجين لغة فصيحة مبسطة مما يجعلها ضعيفة الأثر في بلورة لغة عربية فصيحة مشتركة"(اللغة ووسائل الإعلام ص 27). وهو بهذا كأنما ينسف فضل اللغة المبسطة ـ الثالثة ـ على الأمة العربية. هذه اللغة التي طورتها وسائل الإعلام فجاءت وسطا بين الفصيحة والعامية، ودون هدر للقواعد الأساسية، وصارت رابطا يجمع العرب.
ويرى جورج طرابيشي أ ن الإغراق في مشاهدة التلفاز يعمل على إيجاد "الإنسان التلفزيوني العربي" هذا الإنسان المتأثر بعامية اللغة، وخاصة الأغنية العامية (المصدر السابق، ص ص 46ـ47), ويتعمق هذا التوجه حين نجد الفضائيات العربية الحديثة تعمد إلى توظيف (الجنس) كمتغير إضافي للتعبير غير اللفظي . إن إطلالة الصبايا الحسان باللباس الضيق الحديث ، والتبرج الأخاذ يجذب إليه المتلقي للمتابعة الحثيثة.
ويذهب شلش أيضا لاعتبار أن استعمال اللهجات العامية بشكل مفرط سيكون "عاملا في تكريس التجزئة" الوطنية (اللغة ووسائل الإعلام ، ص 51).
وينبه آخرون إلى أنه "صار من الضروري العمل على حماية اللغة العربية لضمان مستوى أدائها، وخصوصا في الداء المحلي في الإذاعة والتلفزيون"، خاصة وأن الخطر على اللغة يزداد " في عصر العولمة الذي يجعل الإنجليزية هي اللغة العالمية وتتسلل مفرداتها إلى اللغات الإنسانية وثقافتها "(أبو إصبع، اللواقط الفضائية وعد أم وعيد ص 3).
إن السؤال الذي يطرح نفسه : هل ستنجح هذه الاستراتيجيات فعلا في إضعاف اللغة الفصيحة، وإحلال العامية محلها كلغة (قطرية) أو (إقليمية) على غرار ما حدث عند نشوء القوميات الأوروبية؟ إن هذا السؤال جدير بالمناقشة حقا، باعتباره أخطر النقاط السالبة جميعا التي تخطر على بال الإنسان نتيجة الأصوات المتصاعدة بالتحذير. وهم يستدلون بمقولة أنعلن فيها مارشال ماكلوهان أن الطباعة كانت وراء ظهور القوميات الأوروبية (محمد سيد : الإعلام واللغة، ص 5).

المطبعة والقوميات الأوروبية
حين نرجع في التاريخ إلى منتصف القرن الخامس عشر للميلاد، نجد أن اختراع المطبعة قيد إذن ببدء عصر اتصالي جديد : هو عصر الاتصال الجماهيري، وكان ذلك بداية عصر الإعلام المطبوع وأسهمت المطبوعات والصحف والكتب التي طبعت في المطبعة، وصارت بمتناول الناس، في انتشار المعرفة على نطاق واسع. وهذا الأمر أدى إلى كسر احتكار المعرفة الذي تميز به عصر الاتصال الثاني ـ الذي سبق المطبعة، والمعروف باسم عصر الكتابة ـ حين كانت المعرفة حكرا على السلطتين الدينية والسياسية، أما في عصر المطبعة فقد قاد تراكم المعرفة وانتشارها وفتح الجامعات والمدارس سلسلة من الحركات ، كانت البداية توسع التجارة وظهور الاختراعات وتجمع الثروة، ثم ظهور حركة الإصلاح الديني وفصل الدين عن الدولة، وأدى ذلك إلى سقوط العالم القديم أمام المدفع والسفينة، وتفشي الاستعمار،واكتشاف العالم الجديد. كل ذلك أدى إلى ظهور ثورتين مهمتين :
• الأولى، الثورة الصناعية التي أحلت الآلة محل الإنسان في الإنتاج ومهدت لقدوم تكنولوجيا لاتصال الحديثة وقيام الثورة الثالثة للاتصال (المعروفة بثورة الاتصال الإلكتروني).
• والثانية، الثورة الفرنسية، التي أقرت مبدأ حرية التعبير لأول مرة.
وكان من أهم نتائج هذه المرحلة في أوروبا ظهور اللغات والقوميات المحلية، ولعبت الطباعة دروا في تعميق التجزئة . لا عجب بعد هذا أن نجد مفكرا جدليا مثل مارشال ماكلوهان يرى أن القوميات الأوروبية وليد طبيعي لاختراع المطبعة.
لكن هذا الأمر لم يحدث تماما كما فهمه البعض. ذلك أن ظهور القوميات الأوروبية على هذه الصورة كان نتيجة حتمية لعملية بدأتها الطباعة، ونجمت عن تفسخ الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وذلك بسبب حركة الإصلاح الديني أساسا وفصل الدين عن الدولة. وقد أسهمت الصحافة والكلمة المطبوعة في تعزيز الشعور القومي. لكن عملية توحيد اللغة استمرت في دولة مثل فرنسا حتى القرن التاسع عشر (سيجوان ومكاي: التعليم وثنائية اللغة، ص 54).
إن النظرية الاتصالية تؤكد في الحقيقة على أن التحولات الاجتماعية ـ كظهور القوميات ـ تصاحب تطوير أدوات اتصال قوية ومنافسة، وهذا ما ذهب إليه ماكلوهان في مقولته لكن عصرنا الحالي الذي يستخدم تقانة جديدة، هي الإلكترونية، قد جاء بتحولات اجتماعية واقتصادية كانت العولمة من بشائرها، لذلك فإننا يجب أن ننظر إلى العولمة كالظاهرة الأعم الأشمل، وإلى الفضائيات واستخدام العامية، كوسائل هذه الظاهرة ونتائجها، ويستخدم السياسيون والاقتصاديون والصحفيون تعبير العولمة لوصف نظام تتزايد فيه الانفتاحات السياسية والاقتصادية على بعضها البعض بما يؤدي إلى ارتباط الأسواق التجارية وتدخلها، وتتحقق العولمة بفضل استخدام الاتصال الحديثة المتطورة.
إذن ما يجب أن نتحوط منه هو العولمة أولا وأخيرا : وهذا يستدعي أن نقف من العولمة موقف الندية، لا موقف العاجز الذي لا يملك إلا الانحناء أمام ضغوطها واستراتيجياتها.


تطوير اللغة
ديرى الباحث الكندي هارولد أنيس إن استخدام تقانة الاتصال الإلكتروني الحديثة مثل الكابل البحري، والتلغراف، والهاتف، قد أدى إلى تطوير اللغة الفصيحة الإنجليزية باتجاه تكثيفها (Innis :P.161)، ذلك أن المراسل الصحفي كان يضطر لشحذ كتابته بصورة تدفعه لوضع أكبر كمية ممكنة من المعاني في أقل عدد ممكن من الكلمات. ونجم عن هذا أن تطورت اللغة الأمريكية الصحفية بهذا الاتجاه، إذا صار الصحافي يضغط أفكاره لتناسب أقل كم ممكن من الكلام . بالمقابل فإن اللغة العربية لم تتأثر تماما بهذا الوضع، إذ أن الأسلوب الإنشائي التقليدي لا يزال الغالب في كتابة الصحفية وحتى الإذاعية.
ويرجع هذا لسباب عديدجة، من بينها : ضعف التدريب والتكوين، واستمتاع الإنسان العربي بالإنشاء.
يقودنا هذا لأن نستنتج أن تكنولوجيا الاتصال، تماما كما أنها تؤثر على الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فإنها أيضا تؤثر على الأسلوب واللغة، وهذه بدروها تؤثر على العقل والإنسان نفسه، فاللغة هي وعاء الفكر واللغة.
ـ كما أسلفنا ـ نظام مقنن من الرموز، واللغة الفصيحة أو العامية، تخضع الواحدة منها لقانون محدد اقره المجتمع.وإذا كان المجتمع يفضل العامية ويرتاح إليها ـ ربما لأنها من القلب كما قال الأبنودي ـ فمعنى ذلك أنها مفهومة، ومن وجهة نظر علمية "تعتبر الطريقة الوحيدة التي نحكم بها على تميز اللغة واستقلال هويتها هي كونها مفهومة عند التخاطب، فعندما يتحدث شخصان ويفهمان بعضهما، فإنهما يتحدثان اللغة نفسها أو لهجة من لهجاتها"(سيجوان ومكاي :Empires and Communication ، التعليم وثنائية اللغة، ص 6). من هنا فإن استخدام العامية لا يشكل خطرا على اللغة الفصيحة العربية ـ التي تبقى هي الأصل والمرجعية.
لكن لو نظرنا للأمر من ناحية ثقافية، فإن الخشية من ذلك هو فساد الفكر، وفساد الثقافة. وقد ذكر برنارد ليفن، وهي صحفي متمرس، "أن فساد اللغة يؤدي إلى فساد الفكر" (جواد عبد الستار اللغة ووسائل الإعلام، ص 29).
وهذا ما نؤكده الدراسات الاتصالية التي تميز بين الثقافة الصفوية الراقية وبين الثقافة الجماهيرية، فالأولى تستخدم اللغة الفصيحة لتقدم فكرا طبيعيا رائدا راقيا. أما الثانية، فهي ثقافة في مجملها هابطة المستوى لا تمانع في استخدام اللغة الدارجة،وتقدم عبر قنوات الاتصال الجماهيري بصورة ترضي ذوق اكبر شريحة ممكنة، وهذا يقودنا لأن نستنتج أن الفضائيات العربية، باستخدام العامية، ومن بين أشياء أخرى، إنما تسعى لمخاطبة الشريحة الأكبر من المجتمع العربي واجتذابها إليها وإلى برامجها، وهذا أمر طبيعي جدا … بل أمر مشروع.
أما لماذا يعتبر هذا أمرا مشروعا أو طبيعيا، فذلك لأن وسيلة الاتصال الجماهيري ـ أية وسيلة كانت ـ تسعى لجذب أكبر عدد ممكن من المتلقين. ويقاس عادة نجاح الوسيلة بنجاحها في الوصول إلى الشريحة الأكبر. وذكرنا سابقا أن أكثر من نصف المجتمع العربي أمي محدود الثقافة. يضاف إلى ذلك أن الخصخصة تدفع القنوات للتنافس لاجتذاب الشريحة الأكبر. ولتحقيق الانتشار على أوسع نطاق، فإن الفضائيات والأرضيات صارت تستخدم استراتيجيات جديدة، منها العامية، لملاءمتها للبرامج الخفيفة في نظر معديها.
رغم هذا فإن الإغراق في استعمال العامية العربية يبقى أمر مرفوضا من دعاة الفكر القومي، ومن دعاة الاتقاء بالذوق العربي. إن بناء الإنسان العربي بناء معنويا هو مطلب قادة الفكر العربي ومثقفيه، ذلك أن هذ1 البناء سيكون بمثابة الدرع الواقي الذي يقي الشخصية العربية من أخطار العولمة والخصخصة ومضاعفاتهما، ومن أخطار المد الإعلامي الغربي (الأنجلو ـ أمريكي) الذي يغرق العالم بثقافة النفايات التي تعلم الهروب والاستهلاك "وأيدلوجية التسلية" .
والكلمات السوقية التي تحفل بها مسلسلات الثقافة الجماهيرية التي تواجه بالنقد لهبوط مستواها.
لقد انتشرت اللغة الإنجليزية انتشارا واسعا في عالمنا الحالي بفضل الاستعمال البريطاني،وأصبحت اللغة الدولية المستعملة حاليا. وفي هذا الصدد يضيف هاكتن: "" لقد أصبحت اللغة الإنجليزية اللغة العالمية الأولى بدون منازع في مجالي العلوم والتقنية، بل إن ما يزيد على 80% من المعلومات المخزنة على جميع أجهزة الحاسوب (الكمبيوتر) مخزنة بالإنجليزية. وهكذا أصبحت اللغة الإنجليزية لغة عصر المعلومات … واللغة الإنجليزية هي اللغة الثانية في مختلف أرجاء العالم، لكنها لا تحل محل تلك اللغات، بل أنها تعززها" (ص106).
مؤخرا اعترفت الأكاديمية الفرنسية بسطوة الانجليزية، فسمحت بنشر الأبحاث بتلك اللغة بعد أن كانت مقصورة على الفرنسية، ورغم هذا فإن وزيرة الثقافة الفرنسية (كاترين تروتمان) ترفض "تنميط وابتذال الثقافة" الأوروبية في مواجهة الهيمنة الأمريكية (العرب اليوم، 30/11/1999). ولهذا نجد أن الفرنسيين والصينيين من أكثر شعوب العالم حرصا على مواجهة ابتذال الثقافة الجماهيرية (الأنجلو ـ أمريكية) المنشأ.
إن مظاهر ابتذال الثقافة الجماهيرية العربية، التي تقدمها وسائل الإعلام الإلكترونية، لا يختلف في واقع الأمر عن مثيلاتها في الغرب. لذا فإن الضرورة تستدعي طرح المشكلة أمام صانعي القرار مسؤولي الثقافة والإعلام ، لتدارسها واتخاذ القرار بشأنها.
الخاتمة
وهذا بالضبط ما يجب أن تقوم به مؤسسات الثقافية والإعلام العربية، الخاصة والعامة، على حد سواء. إن دفع قنوات الإعلام العربي باتجاه تبني ميثاق عربي يصر على استعمال لغة سليمة سيكون إنجازا يجب أن تسعة لتحقيقه مع بداية القرن القادم.
كما أن القائمين على اللغة يجب أن يدرسوا بجدية لماذا تواصل اللهجات المحلية توسعها على حساب الفصيحة، واتخاذ الخطوات الكفيلة لحل تلك الإشكالية ابتداء من الأسرة وانتهاء بوسائل الإعلام الإلكتروني. إن وضع حلول لهذه الأمور سيكون في الحق بداية لواقع جديد نصبو جميعا لولوجه، ذلك أننا نعيش في عصر لا نستطيع أن نغلق على أنفسنا ونتجاهل العالم المحيط بنا.
المراجع :
1) مروة، أديب. الصحافة العربية : نشأتها وتطورها. بيروت. دار مكتبة الحياة، 1961.
2) النابلسي، حسن سعود. الرأي . زاوية 7 أيام. 10/5/2000م.
3) جواد، عبد الستار.اللغة الإعلامية.اربد: دار الهلال للترجمة، 1998.
4) شرف، عبد العزيز . اللغة الإعلامية. بيروت: دار الجيل، 1991.
5) الموسى، عصام سليمان.المدخل في الاتصال الجماهيري. غربد:الكتاني(ط3)، 1998.
6)شلش، محمد جميل. اللغة ووسائل الإعلام الجماهيرية. بغداد : الموسوعة الصغيرة، 1986.
7) محمد سيد.الإعلام واللغة. القاهرة : عالم الكتب (سلسلة البحوث والإعلام ـ1)، 1984.
8)ميجل سيجوان ووليم مكاي.التعليم وثنائية اللغة. (ترجمة إبراهيم القعيد ومحمد مجاهد)،الرياض: جامعة الملك سعود، 1995.
9)Curevitich M. “The Globalization of Electronic Journalism” , In Mass Media Society. Ed. By Curan and Gurevitich. New York: Holder headline Group. 1996.
10) Hall. E. “The power of Hidline Diffrences ”. In Basic Concepts of Interlocutural Communication.ed.by Bennet,M.Yarmouth Interlocutural press,1988.
11 Innis , H. Empires and Communication. Toronto University of Toronto press.1975.

أوراق غير منشورة :
ـ صالح أبو إصبع . "اللواقط الفضائية وعد أم وعيد"، ندوة الخطاب الإعلامي العربي، عمان، 2000م.
ـ طارق مصاروة." المصداقية" ندوة الخطاب الإعلامي العربي، عمان، 2000م.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar